زنزانة الورّاق / يوسف غيشان

زنزانة الورّاق

مخطوطات …مجلدات ..مجلات.. جرائد … غابة مدحوشة داخل زنزانة تتسع لإنسان واقف(شرط ان لا يكون بدينا)… هذا هو عالم الوراق الأثير : كشك يعتقل الكتب ، اوكتب تحتل الكشك وهو عالق بينهما.. لا هو بالسجان ولا هو بالسجين:
هل صحبة الكتب أفضل من صحبة البشر؟
قد يوافقك البعض؛ لكن معظم الناس يتذكرون مأساة الجاحظ الذي قتلته كتبه، ويترحمون على عاشق قتله المعشوق .. انها جريمة عاطفية اذا!!
الجميع ينافسه: الفقر ..البطالة .. الجهل .. المحطات الفضائية .. حتى الانترنت – مقصوف الرقبة- ينافسه. الجميع يحاول سرقة لقمته المغموسة بالحبر. يتناقص الزبائن يوما فيوما شهرا فشهرا عاما فعاما، خصوصا بعد وضع ضريبة عالية على الكتاب. هم يتناقصون وكتبه تتكدس يوما فيوما شهرا فشهرا عاما فعاما، محذرة إياه من مصير كمصير ابو عثمان الجاحظ.
زبائنه معظمهم أصدقاء ، لكنهم فقراء ويقتنصون ثمن الكتاب من ضرورياتهم المتواضعة . يحاول ان يجاريهم دائما. . يقرأ اسطرا من هذا الكتاب وفقرة من ذاك، ويسأل فلانا عن رأيه في الكتاب … وحينما يتناقش مع الزبائن يشعرهم بأنه قرأ محتويات زنزانته بالكامل.
الشتاء يقتنص ما تبقى من رزقه، حيث يجمع كتبه اكداسا في الداخل خوفا من المطر والريح والبرد. الزبائن يختبئون في بيوتهم ، وهو يختبيء في زنزانته الطوعية بانتظار سرقة لقمته الشريفة من صحن صباح مشمس، يعرض فيه بضاعته الراقية …. الكلمة.
في البدء كانت الكلمة .. وصارت الكلمة كتابا، والكتاب مكتبة، وثمة وراق وحيد ينتظر الزبائن في زمن سرقت فيه الشاشة والصورة وهج الكلمة المطبوعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى